موقع الشاعر كمال ابراهيم

رومانسيَّة كمال إبراهيم كعازف في " أوركسترا السُّكون " بقلم : الدّكتور منير توما - كفر ياسيف

24 أيلول 2012  18:16

بعد أن قرأت المجموعة الشّعريَّة الجديدة للأستاذ كمال إبراهيم الّتي تحمل عنوان " أوركسترا السُّكون "، استرعى انتباهي عدَّة قصائد تتناول بشفافيَّة مشاعر الحُبِّ والغرام بطابعٍ غزليٍّ رقيق واضح تمام الوُضوح، حيثُ يُركِّز الشّاعر على نواحٍ حسِّيَّة جماليَّة في المحبوبة ليرتقي بها إلى منزلة المثل الأعلى في عالم العِشق والهِيام من خلال نَفَسٍ شعريٍّ فريدٍ وسلاسة تسيرُ مع سُطور القصيدة في تناغُمٍ موسيقيٍّ ملموسٍ يُعبِّر في شعره هذا تعبيرًا صادقًا عن وجدانهِ وأحاسيسه الكامنةِ الّتي تتدفّق بانسياب عبر كلمات ليس فيها صخب أو جفاف أو اضطراب وإنّما تنحو نحو الثّورة العاطفيَّة الهادئة البعيدة عن جُمود المعاني والتَّأمُّل الفلسفيّ. لقد لمستُ في عددٍ من القصائِد الّتي لاقت استحسانًا عندي الرّوح الشَّبابيّة الدّافقة الّتي تجود وتفيض بها الكلمات النّابِضة بالحياة، كما نلمحُ ذلك في القصيدة الأولى من هذه المجموعة الّتي تحمل عنوانَ المجموعة وهي " أوركسترا السُّكون " (صفحة 7)، حيث يقول شاعرنا هُناك : يا نخلةً أشْتَهِي مِنْها تَمْرَهَا المُعطَّرْ وَيَا زهرَةً أشمّها مِسْكًا وعَنْبَرْ. يَا فِينوسَ أحْلامِي وَيَا سَهَرِي الطّويلْ هَلْ مِنْ لقاءٍ في سُكونِ اللَّيْلِ أوْ وَقْتِ الأصِيلْ ؟ ويستطردُ في هذه القصيدة مُعلِنًا للمحبوبة تأجُّج عشقه واكتواء قلبِه بنيران الحُبّ وذلك بأسلوبٍ جمالِيٍّ مُتناسِق الأفكار والصّور، حيثُ تنساب العاطِفة مِن نَفَسِهِ انسيابًا يُحييهِ الأمَلُ ويُغلِّفُهُ الأمل. والحُبُّ عندهُ عُذوبَةٌ روحانيَّة مشوبَة بأحاسيس داخليَّة واضِحَةٍ يتطاوَلُ إليها بِكُلِّ ما فيهِ مِن قِوى ويُحاوِلُ الاستغراقَ فيها بِكُلِّ ما عندهُ مِن طاقات. يقول شاعرُنا في نِهايَة القصيدة نفسها : أشْتَهِيكِ صُبحًا ومساءً فِي اللّيْلِ وَفي النَّهارْ أتُوقُ إليْكِ بِقَلْبٍ كَواهُ العِشْقُ فَصَارَ جَمْرًا وَنارْ. قُولِي : سآتيكَ باسِمَةً كَالوَرْدِ المُفتَّحْ تَشتمّ فيهِ العِطْرَ وَفِي بَحْرِ الهَوَى تَسْبَحْ أنا وَأنْتَ إثنانِ فِي قِصَّةِ عُمْرٍ سَكَنَّا فَلْنَنْشُرِ الحُبَّ أَيْنَمَا كُنَّا. وَفي قصيدة " عشيقة درب " (صفحة 21) نشعُر بحُبّ كمال إبراهيم ذي الطّابَع الرّاقي الأنيق الشَّفَّاف غير المُبتَذَل، ونُدرِك لديهِ غَزَلَ الرّقّة الأنيقة، والذّوب الهادئ والانصهار الوِجدانيّ العاطفيّ، والسّعادة الّتي تُخيِّم عليها الطّمأنينةُ والسُّكون المحمودُ الجانب الّذي يعكِسُ الرَّغبة الدّافقة الّتي تتسلَّل فيهِ حافِلَةً بالعُذوبَةِ النّاعمة والحنين البريء : أُهْدِيكِ يَا حَبيبَتِي أَبْيَاتَ شِعْرٍ مُكَلَّلَةً بالشَّوْقِ والحَنِينْ وأبْعَثُ إِلَيْكِ بَاقَةَ وَرْدٍ مُعَطَّرَةً بالفُلِّ والياسَمِينْ، فَهَلْ تَعْلَمِينْ ؟ كَمْ أنَا أُحِبُّكِ يَا عَشيقَةَ دَرْبِي الَّتي أحْبَبْتُهَا العُمْرَ الطَّويلْ. حُبُّكِ جَعَلَنِي طِفْلًا يَشْتَاقُ لِدُمْيَةٍ يَلْهُو بِهَا عَشَرَاتِ السِّنينْ. حُبُّكِ جَعَلَني طيرًا يُداعِبُ نَسْمَةَ ريحٍ تَهُبُّ فِي تِشْرينْ. لقد انتَهَجَ شاعِرُنا في هذه القصيدة منهَجًا اعتَمَدَ فيهِ الجمالِيَّة اللفظيَّة والنَّغمَة الموسيقيَّة، وكأنّي بالقصيدةِ مُوشَّحة يُطرِّزُها الشّاعِرُ تطريزًا في غَيْرِ مُعاناة، وَكَأنّي بِهِ يُداعِبُ أوتارَ قريحَتِهِ ليخبُرَ طاقَتَها التَّعبيريَّة، فتَنْطَلِقُ المعاني الرّومانطيقيَّةُ انطلاقًا لا حدَّ لهُ، وتَذهَبُ في تفهُّمِ لُغَةِ الحُبِّ والعِشْقِ مذاهِبَ مُختلفة تعتلجُ فيها البهجة الإنسانيَّةُ وسعادة الأمل الوافِر. وتتتابَعُ قصائِد الحُبّ والغزل في مجموعة شاعرنا هذه حيث نلتقي بقصيدة " قصَّة عُمر " (صفحة 39) الّتي تحفَلُ بِسَيْلٍ من الألفاظ المُتدافِعة الّتي يتصدَّى فيها الشّاعِرُ للحُبّ، وقد التَهَبَ في نَفَسِهِ فيتذوَّقُ فيهِ الحَلاوَةَ والمرارَةَ، وتَغْمُرُهُ فيهِ السّعادَةُ والشَّقاوَةُ، وَيَجِدُ فيهِ الشِّدَّةَ والرّخاءَ وذلك كُلُّه من خلال تزاحُمِ الألفاظ الصّادرة عن عاطفة مشبوبةٍ ونفسٍ مُحْتَدِمَةٍ بلغت دَرَجَة عالِيَة من الإحساسِ الجمالِيِّ والصِّدْقِ الوِجدانِيّ : يا زَهْرَة ً شَمَمْتُها قُبَيْلَ الصُّبْحِ فَفاحَ عِطْرُها بَينَ الضُّلوعِ وَغزا القَلْبَ السُّرورْ. أنتِ الشفاءُ لِعاشِقٍ مُتَيَّمٍ كَواهُ الهَجْرُ وأعْيَتهُ الدُّهورْ. تَفَتَّحِي وانشُرِي العَبيرَ في يومٍ جَميلٍ كَيْ يَسْكُنَ الحُبُّ وفي الدَّمِ يَثورْ. ويَخْتِمُ شاعِرُنا قصيدتهُ هذهِ بتفاؤُلٍ ذِي بعْثٍ وُجودِيٍّ تجري فيهِ العَواطِفُ بانفِلاتٍ رومانطيقيٍّ، واستنفارٍ للطّاقات المُتحفِّزة في غير تصنُّعٍ وتكرار، بل باعتِدالٍ وانتِظار : تَعالَيْ نَغوصُ في بَحْرٍ لِنرَى ما فيهِ مِنْ ياقوتٍ وَمُرْجانْ. عِنْدَها يَحْيا الفؤادُ ونَرسِمُ قِصَّةَ عُمْرٍ أبْطالُها نَحْنُ العاشِقانْ. وفي قصيدة " دِمَشْقِيَّة " (صفحة 45) نرى كمال إبراهيم شاعر الإحساس العَنيف والثَّورة الصَّاخِبة، ثورة العاطِفة المُتَّقِدة يصيحُ مِنْ غَلَيَانِها : ليتَ عينيكِ الخضراوينِ تشاهدانني أضمُّكِ الى صدريَ المرهفْ ألمسُ شفتيكِ الزهريتينْ كي أصيرَ أميرًا أجلسُ على عرشِ الغرامْ وأطلبُ اللقاء. أمّا القصيدة الأخيرة في هذه المجموعة الشّعريَّة، فهيَ قصيدة " أيُّهَا العابِرون " (صفحة 61) الّتي نُصادِف فيها شاعرنا يُعبِّر عن نوعٍ آخر من الحُبّ ألا وهُوَ حُبُّه وعشقه لوطنه وحنينه الدّائم إليه حتّى وإن حدثَ وابتعَدَ عنهُ، فسيبقى الوطن في قلبِهِ ومُخيّلتِهِ لأنَّه مُتجذِّرٌ فيهِ وسيعملُ كُلَّ ما في وسعه ليعيش ويموت فيه مُردِّدًا شعر الحُبّ والسَّلام لكُلِّ البشر : إعْلموا أيُّها العابـِرونَ ها هُنا أني إذا رَحَلـْتُ سَأعودُ يومًا مَعَ العَواصِفِ والرِّياحْ وَحَبّات اللقاحْ. أعودُ مع الطـيرِ المُهاجـِرِ مِنَ الشمال ِ إلى الجَنوب ِ والنِّسْرِ المُكابـِرِ أقطعُ المسافاتْ لأحُطـَّ بين الرَّوابي والتـِّلالْ. ويُضيفُ قائِلًا في المعاني نفسها وبالرُّوحِ ذاتِها : إعلموا أني مُتجَذرٌ هنا في الصَّخرِ قبلَ وبعدَ المَماتِ أحْكي قصَّة َ العُمرِ، أنشرُها في الليل ِ وفي الفجْرِ، مع بُزوغ ِ الشـَّمْس ِ لتناطِحَ السَّحابْ. إعلموا أني إذا متُّ أعودُ وعندما أعودُ سأبني كوخًا خالدًا أحفرُهُ في الصَّخرِ يُطِلُّ على البَحرِ ليُهدي مَوجُهُ السّاحِلَ والرِّمالْ شِعرا ً جميلا ً يُرَدِّدُهُ الصِّغارُ والكبارْ عبرَ العُصورِ والأجيالْ ... إنَّ هذه القصيدة تُشيرُ دون أدنى شكّ أنَّ شاعرنا لم يفُتْهُ صِدقُ العاطفة ونُبلُ المقصد في تعبيره عن حُبّه لوطنه وتعلُّقه به، كما أنَّه أظهرَ لنا اقتناعَهُ بصحَّةِ ما يقول، وتمشّيه على خُطَّة الاستقامة الاجتماعيَّة وتمسُّكه بمبادئه التَّحرُّريَّة. وأخيرًا، فإنَّهُ يُمكن القول إنَّ مُعظم قصائد هذه المجموعة الشِّعريَّة يُهيْمِنُ عليها الطّابعُ الغزليّ الرّقيق الّذي يمتاز بالعُذوبَة والشَّفافيَّة والسُّهولة والوُضوح البعيد عن التَّعقيد، وذلك كما لمسنا في عددٍ كبيرٍ من هذه القصائِد الّتي تناولناها بالبحثِ والدّراسة آنِفًا، معَ أنَّه لا بُدَّ من الإشارَة هُنا إلى أنَّ هُناكَ بعض القصائِد الأخرى في المجموعة الّتي لم نَتَطرَّق إليْها، ذات صِبغَة تقريريَّة مُباشرة يَعتريها الطّابع النّثريّ ممّا اقتضى التّنويه بحيث أنَّ هذا الأمر لا ينتقصُ من رصيدِ وجماليَّة وسلاسة هذه المجموعة ونصاعتها وإشراقها. فللشّاعر الكريم الأستاذ كمال إبراهيم، أجمل التّهاني بصُدور مجموعته هذه مع أصدق التَّحيّات وأطيب التّمنّيات بدوام التّوفيق والعَطاء. الدّكتور منير توما / كفر ياسيف آب/2012

بعد أن قرأت المجموعة الشّعريَّة الجديدة للأستاذ كمال إبراهيم الّتي تحمل عنوان " أوركسترا السُّكون "، استرعى انتباهي عدَّة قصائد تتناول بشفافيَّة مشاعر الحُبِّ والغرام بطابعٍ غزليٍّ رقيق واضح تمام الوُضوح، حيثُ يُركِّز الشّاعر على نواحٍ حسِّيَّة جماليَّة في المحبوبة ليرتقي بها إلى منزلة المثل الأعلى في عالم العِشق والهِيام من خلال نَفَسٍ شعريٍّ فريدٍ وسلاسة تسيرُ مع سُطور القصيدة في تناغُمٍ موسيقيٍّ ملموسٍ يُعبِّر في شعره هذا تعبيرًا صادقًا عن وجدانهِ وأحاسيسه الكامنةِ الّتي تتدفّق بانسياب عبر كلمات ليس فيها صخب أو جفاف أو اضطراب وإنّما تنحو نحو الثّورة العاطفيَّة الهادئة البعيدة عن جُمود المعاني والتَّأمُّل الفلسفيّ.

لقد لمستُ في عددٍ من القصائِد الّتي لاقت استحسانًا عندي الرّوح الشَّبابيّة الدّافقة الّتي تجود وتفيض بها الكلمات النّابِضة بالحياة، كما نلمحُ ذلك في القصيدة الأولى من هذه المجموعة الّتي تحمل عنوانَ المجموعة وهي " أوركسترا السُّكون " (صفحة 7)، حيث يقول شاعرنا هُناك :

يا نخلةً أشْتَهِي مِنْها

تَمْرَهَا المُعطَّرْ

وَيَا زهرَةً أشمّها

مِسْكًا وعَنْبَرْ.

يَا فِينوسَ أحْلامِي

وَيَا سَهَرِي الطّويلْ

هَلْ مِنْ لقاءٍ

في سُكونِ اللَّيْلِ

أوْ وَقْتِ الأصِيلْ ؟

 

ويستطردُ في هذه القصيدة مُعلِنًا للمحبوبة تأجُّج عشقه واكتواء قلبِه بنيران الحُبّ وذلك بأسلوبٍ جمالِيٍّ مُتناسِق الأفكار والصّور، حيثُ تنساب العاطِفة مِن نَفَسِهِ انسيابًا يُحييهِ الأمَلُ ويُغلِّفُهُ الأمل.

والحُبُّ عندهُ عُذوبَةٌ روحانيَّة مشوبَة بأحاسيس داخليَّة واضِحَةٍ يتطاوَلُ إليها بِكُلِّ ما فيهِ مِن قِوى ويُحاوِلُ الاستغراقَ فيها بِكُلِّ ما عندهُ مِن طاقات. يقول شاعرُنا في نِهايَة القصيدة نفسها :

أشْتَهِيكِ صُبحًا ومساءً

فِي اللّيْلِ وَفي النَّهارْ

أتُوقُ إليْكِ

بِقَلْبٍ كَواهُ العِشْقُ

فَصَارَ جَمْرًا وَنارْ.

قُولِي :

سآتيكَ باسِمَةً

كَالوَرْدِ المُفتَّحْ

تَشتمّ فيهِ العِطْرَ

وَفِي بَحْرِ الهَوَى تَسْبَحْ

أنا وَأنْتَ إثنانِ

فِي قِصَّةِ عُمْرٍ سَكَنَّا

فَلْنَنْشُرِ الحُبَّ

أَيْنَمَا كُنَّا.

 

وَفي قصيدة " عشيقة درب " (صفحة 21) نشعُر بحُبّ كمال إبراهيم ذي الطّابَع الرّاقي الأنيق الشَّفَّاف غير المُبتَذَل، ونُدرِك لديهِ غَزَلَ الرّقّة الأنيقة، والذّوب الهادئ والانصهار الوِجدانيّ العاطفيّ، والسّعادة الّتي تُخيِّم عليها الطّمأنينةُ والسُّكون المحمودُ الجانب الّذي يعكِسُ الرَّغبة الدّافقة الّتي تتسلَّل فيهِ حافِلَةً بالعُذوبَةِ النّاعمة والحنين البريء :

أُهْدِيكِ يَا حَبيبَتِي

أَبْيَاتَ شِعْرٍ

مُكَلَّلَةً بالشَّوْقِ والحَنِينْ

وأبْعَثُ إِلَيْكِ

بَاقَةَ وَرْدٍ

مُعَطَّرَةً بالفُلِّ والياسَمِينْ،

فَهَلْ تَعْلَمِينْ ؟

كَمْ أنَا أُحِبُّكِ

يَا عَشيقَةَ دَرْبِي

الَّتي أحْبَبْتُهَا

العُمْرَ الطَّويلْ.

حُبُّكِ جَعَلَنِي طِفْلًا

يَشْتَاقُ لِدُمْيَةٍ

يَلْهُو بِهَا

عَشَرَاتِ السِّنينْ.

حُبُّكِ جَعَلَني طيرًا

يُداعِبُ نَسْمَةَ ريحٍ

تَهُبُّ فِي تِشْرينْ.

 

إعلان

 

لقد انتَهَجَ شاعِرُنا في هذه القصيدة منهَجًا اعتَمَدَ فيهِ الجمالِيَّة اللفظيَّة والنَّغمَة الموسيقيَّة، وكأنّي بالقصيدةِ مُوشَّحة يُطرِّزُها الشّاعِرُ تطريزًا في غَيْرِ مُعاناة، وَكَأنّي بِهِ يُداعِبُ أوتارَ قريحَتِهِ ليخبُرَ طاقَتَها التَّعبيريَّة، فتَنْطَلِقُ المعاني الرّومانطيقيَّةُ انطلاقًا لا حدَّ لهُ، وتَذهَبُ في تفهُّمِ لُغَةِ الحُبِّ والعِشْقِ مذاهِبَ مُختلفة تعتلجُ فيها البهجة الإنسانيَّةُ وسعادة الأمل الوافِر.

وتتتابَعُ قصائِد الحُبّ والغزل في مجموعة شاعرنا هذه حيث نلتقي بقصيدة " قصَّة عُمر " (صفحة 39) الّتي تحفَلُ بِسَيْلٍ من الألفاظ المُتدافِعة الّتي يتصدَّى فيها الشّاعِرُ للحُبّ، وقد التَهَبَ في نَفَسِهِ فيتذوَّقُ فيهِ الحَلاوَةَ والمرارَةَ، وتَغْمُرُهُ فيهِ السّعادَةُ والشَّقاوَةُ، وَيَجِدُ فيهِ الشِّدَّةَ والرّخاءَ وذلك كُلُّه من خلال تزاحُمِ الألفاظ الصّادرة عن عاطفة مشبوبةٍ ونفسٍ مُحْتَدِمَةٍ بلغت دَرَجَة عالِيَة من الإحساسِ الجمالِيِّ والصِّدْقِ الوِجدانِيّ :

يا زَهْرَة ً شَمَمْتُها

قُبَيْلَ الصُّبْحِ

فَفاحَ عِطْرُها

بَينَ الضُّلوعِ

وَغزا  القَلْبَ السُّرورْ.

أنتِ الشفاءُ

لِعاشِقٍ مُتَيَّمٍ

كَواهُ الهَجْرُ

وأعْيَتهُ الدُّهورْ.

تَفَتَّحِي

وانشُرِي العَبيرَ

في يومٍ جَميلٍ

كَيْ يَسْكُنَ الحُبُّ

وفي الدَّمِ يَثورْ.

 

ويَخْتِمُ شاعِرُنا قصيدتهُ هذهِ بتفاؤُلٍ ذِي بعْثٍ وُجودِيٍّ تجري فيهِ العَواطِفُ بانفِلاتٍ رومانطيقيٍّ، واستنفارٍ للطّاقات المُتحفِّزة في غير تصنُّعٍ وتكرار، بل باعتِدالٍ وانتِظار :

تَعالَيْ نَغوصُ في بَحْرٍ

لِنرَى ما فيهِ

مِنْ ياقوتٍ وَمُرْجانْ.

عِنْدَها يَحْيا الفؤادُ

ونَرسِمُ قِصَّةَ عُمْرٍ

أبْطالُها نَحْنُ العاشِقانْ.

 

وفي قصيدة " دِمَشْقِيَّة " (صفحة 45) نرى كمال إبراهيم شاعر الإحساس العَنيف والثَّورة الصَّاخِبة، ثورة العاطِفة المُتَّقِدة يصيحُ مِنْ غَلَيَانِها :

ليتَ عينيكِ الخضراوينِ تشاهدانني

أضمُّكِ الى صدريَ المرهفْ

ألمسُ شفتيكِ الزهريتينْ

كي أصيرَ أميرًا

أجلسُ على عرشِ الغرامْ

وأطلبُ اللقاء.

 

أمّا القصيدة الأخيرة في هذه المجموعة الشّعريَّة، فهيَ قصيدة " أيُّهَا العابِرون " (صفحة 61) الّتي نُصادِف فيها شاعرنا يُعبِّر عن نوعٍ آخر من الحُبّ ألا وهُوَ حُبُّه وعشقه لوطنه وحنينه الدّائم إليه حتّى وإن حدثَ وابتعَدَ عنهُ، فسيبقى الوطن في قلبِهِ ومُخيّلتِهِ لأنَّه مُتجذِّرٌ فيهِ وسيعملُ كُلَّ ما في وسعه ليعيش ويموت فيه مُردِّدًا شعر الحُبّ والسَّلام لكُلِّ البشر :

إعْلموا أيُّها العابـِرونَ

ها هُنا

أني إذا رَحَلـْتُ

سَأعودُ يومًا

مَعَ العَواصِفِ والرِّياحْ

وَحَبّات اللقاحْ.

أعودُ مع الطـيرِ المُهاجـِرِ

مِنَ الشمال ِ إلى الجَنوب ِ

والنِّسْرِ المُكابـِرِ

أقطعُ المسافاتْ

لأحُطـَّ بين الرَّوابي والتـِّلالْ.

 

ويُضيفُ قائِلًا في المعاني نفسها وبالرُّوحِ ذاتِها :

إعلموا أني مُتجَذرٌ هنا

في الصَّخرِ

قبلَ وبعدَ المَماتِ

أحْكي قصَّة َ العُمرِ،

أنشرُها في الليل ِ

وفي الفجْرِ،

مع بُزوغ ِ الشـَّمْس ِ

لتناطِحَ السَّحابْ.

إعلموا أني إذا متُّ

أعودُ

وعندما أعودُ

سأبني كوخًا خالدًا

أحفرُهُ في الصَّخرِ

يُطِلُّ على البَحرِ

ليُهدي مَوجُهُ السّاحِلَ والرِّمالْ

شِعرا ً جميلا ً

يُرَدِّدُهُ الصِّغارُ والكبارْ

عبرَ العُصورِ والأجيالْ ...

 

إنَّ هذه القصيدة تُشيرُ دون أدنى شكّ أنَّ شاعرنا لم يفُتْهُ صِدقُ العاطفة ونُبلُ المقصد في تعبيره عن حُبّه لوطنه وتعلُّقه به، كما أنَّه أظهرَ لنا اقتناعَهُ بصحَّةِ ما يقول، وتمشّيه على خُطَّة الاستقامة الاجتماعيَّة وتمسُّكه بمبادئه التَّحرُّريَّة.

وأخيرًا، فإنَّهُ يُمكن القول إنَّ مُعظم قصائد هذه المجموعة الشِّعريَّة يُهيْمِنُ عليها الطّابعُ الغزليّ الرّقيق الّذي يمتاز بالعُذوبَة والشَّفافيَّة والسُّهولة والوُضوح البعيد عن التَّعقيد، وذلك كما لمسنا في عددٍ كبيرٍ من هذه القصائِد الّتي تناولناها بالبحثِ والدّراسة آنِفًا، معَ أنَّه لا بُدَّ من الإشارَة هُنا إلى أنَّ هُناكَ بعض القصائِد الأخرى في المجموعة الّتي لم نَتَطرَّق إليْها، ذات صِبغَة تقريريَّة مُباشرة يَعتريها الطّابع النّثريّ ممّا اقتضى التّنويه بحيث أنَّ هذا الأمر لا ينتقصُ من رصيدِ وجماليَّة وسلاسة هذه المجموعة ونصاعتها وإشراقها.

فللشّاعر الكريم الأستاذ كمال إبراهيم، أجمل التّهاني بصُدور مجموعته هذه مع أصدق التَّحيّات وأطيب التّمنّيات بدوام التّوفيق والعَطاء.

الدّكتور منير توما / كفر ياسيف

آب/2012

© 2024 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشاعر كمال ابراهيم